فصل: مسألة السلطان إذ باع مال الميت فقضى بعض غرمائه وبقيتهم حضور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة نكاح اليتيم بغير إذن وصيه:

ومن كتاب جاع فباع امرأته:
وسئل: عن يتيم له وصي واليتيم مصلح وقد بلغ الحلم ومثله لو طلب ماله أعطيه لصلاحه، تزوج بغير إذن وليه، ثم فسد وقبحت حاله بعد النكاح وقبل أن يدخل عليها، وسفه وصار ممن تجوز عليه الولاية فطلقها في سفاهة ثم صالح أختانه على أن أخذ منهم أقل من نصف ما ساق إليها، وذلك بعلم الوصي.
قال: لا يجوز أن يضع عنهم شيئا من نصف الصداق وإن أذن بذلك الوصي.
قيل له: فإن زعم ختنه أنه قد دفع إليه أكثر من النصف وأنكر هو ذلك؟
قال: يغرم ختنه نصف الصداق كاملا إلى وصيه وإن أقر له السفيه أنه قد اقتضاه كله لم يبره ذلك وكان عليه غرمه مرة أخرى؛ لأنه لم يكن له أن يعطيه شيئا.
وأما نكاحه على ما ذكرت من صلاحه من غير إذن وليه فهو جائز، وهو مثل ما لو أذن له وليه إذا كان يوم تزوج على ما ذكرت من حسن حاله.
قال محمد بن رشد: أجاز ابن القاسم نكاح اليتيم بغير إذن وصيه إذا كان في تلك الحال رشيدا في أحواله، وهذا هو المعلوم من مذهبه المشهور من أقواله أن الولاية الثابتة على اليتيم لا يعتبر بثبوتها إذا علم الرشد ولا بسقوطها إذا علم السفه، خلاف للمشهور من مذهب مالك وعامة أصحابه أن المولى عليه بوصي من قبل أب أو مقدم من قبل سلطان لا تجوز أفعاله وإن علم رشده حتى يطلق من الولاية التي لزمته.
وقد روى زونان عن ابن القاسم مثل قول مالك، وروى ابن وهب عن مالك مثل قول ابن القاسم.
وأما اليتيم الذي لم يوص به أبوه إلى أحد ولا قدم عليه السلطان وليا ولا ناظرا ففي ذلك أربعة أقوال:
أحدها: أن أفعاله كلها بعد البلوغ جائزة نافذة رشيدا كان أو سفيها معلنا بالسفه أو غير معلن به، اتصل سفهه من حيت بلوغه أو سفه بعد أن أنس منه الرشد من غير تفصيل في شيء من ذلك، وهو قول مالك وكبراء أصحابه.
والثاني: أنه إن كان متصل السفه من حين بلوغه فلا يجوز شيء من أفعاله، وأما إن سفه بعد أن أنس منه الرشد فأفعاله جائزة عليه ولازمة ما لم يكن بيعه بيع سفه وخديعة بينة، مثل أن يبيع ثمن ألف دينار بمائة دينار وما أشبه ذلك، فلا يجوز ذلك عليه ولا يتبع بالثمن إن أفسده من غير تفصيل بين أن يكون معلنا بالسفه أو غير معلن به، وهو قول مطرف وابن الماجشون.
والثالث: أنه إن كان معلنا بالسفه فأفعاله غير جائزة، وإن لم يكن معلنا به فأفعاله جائزة، من غير تفصيل بين أن يتصل سفهه أو لا يتصل، وهو قول أصبغ.
والرابع: أنه ينظر إلى حاله يوم بيعه وابتياعه وما قضى به في ماله، فإن كان رشيدا في أحواله جازت أفعاله كلها، وإن كان سفيها لم يجز منها شيء من غير تفصيل بأن يتصل سفهه أو لا يتصل، وهو قول ابن القاسم.
واتفق جميعهم على أن أفعاله جائزة لا يرد منها شيء إذا جهلت حاله ولم يعلم برشد ولا بسفه.
وكذلك اتفقوا أيضا أن على الإمام أن يولي عليه إذا ثبت عنده سفهه فخشي ذهاب ماله، وبالله التوفيق لا شريك له وبه التوفيق.

.مسألة بيع مال الغائب لغرمائه:

ومن كتاب الجواب:
وسألته: عن الرجل يغيب ببلد قريب الغيبة أو بعيد فيبيع السلطان ماله لغرمائه، والغائب حي يعرف موضعه ولا يُعْرَفُ عَدَمُهُ وَلَا مَلَاؤُهُ فيجد الرجل السلعة بعينها فيريد أخذها، هل يكون ذلك له؟
قال ابن القاسم: إن كانت غيبته غيبة قريبة الأيام اليسيرة التي ليس فيها ضرر على الغرماء ولا يعرف ملاؤه في ذلك كتب إليه فيه وكشف عن أمره حتى يفلس فيأخذ أصحاب السلع سلعهم، أو لا يفلس.
وإن كانت غيبته بعيدة ولا يعرف عدمه فيها ولا ملاؤه، أو يعرف عدمه ولا يدرى أين هو أو لا يعرف موضعه، فهو بمنزلة المفلس يأخذ من وجد سلعته بعينها، ويتحاص جميع غرمائه في ماله الذين حلت ديونهم والذين لم تحل جميعا.
وإن كانت غيبته بعيدة، إلا أنه يعرف ملاؤه فيها بموضعه الذي هو فيه لم يفلس ولم يكن مفلسا، وقضي الغرماء الذين حلت ديونهم كما تعدى على مال الغائب ويترك الآخرون إلى آجالهم، ومن وجد سلعته لم يكن له إليها سبيل. ورواها أصبغ عن ابن القاسم، وقال: هي حسنة إن شاء الله تعالى.
وفي آخرها غمز وكسر ولا يحملها القياس، وأشهب يخالفه فيها ويرى أن يفلس وإن كان يعرف ملاؤه في غيبته، سألته عنها فقال لي: واحتج، قال لي: أرأيت رجلا حاضرا بمصر وله مال بالأندلس لا يدرى ما حدث عليه، ألا يفلسوه؟
قال أصبغ: وذلك القياس عندي، وهو أعجب لي.
وقد قال في كتاب القضاء المحض: قول ابن القاسم أحب إلي استحسانا، قال: والقياس قول أشهب.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة تكلم فيها على وجهين: أحدهما: بيع مال الغائب لغرمائه، والثاني: تفليسه.
فأما بيع ماله لغرمائه فلا اختلاف في وجوب بيع ذلك لهم كما لو كان حاضرا، إلا أنه يختلف هل يُستأنَى بذلك إن خشي أن يكون عليه دين لسواهم أم لا، فقيل: إنه لا يستأنى به؛ لأن له ذمة، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه في بعض روايات المدونة، وظاهر قوله في هذه الرواية، وقيل: إنه يستأنى به ولا يعجل بقضاء من حضر حتى يستبرأ أمره ويجتمع أهل دينه كالميت الذي لا ذمة له، وهو قول ابن القاسم وغيره من الرواة في المدونة.
وهذا في الحاضر والقريب الغيبة، وأما البعيد الغيبة فلا اختلاف في وجوب الاستيناء به إذا خشي أن يكون عليه دين.
وأما تفليسه حتى يقضى دين من لم يحل دينه ويكون من وجد سلعته أحق بها إذا جهلت حاله فلا اختلاف في أنه لا يقضى بذلك في القريب الغيبة حتى يكتب في أمره ويكشف عن حاله، ولا في أنه يقضى بذلك في البعيد الغيبة.
واختلف إن علم ملاؤه في بعد غيبته، فقيل: إنه يفلس، وقيل: إنه لا يفلس، على القولين المذكورين في هذه الرواية.
وهذا الاختلاف إنما هو عندي فيما كان على مسيرة العشرة الأيام ونحوها، وأما الغيبة البعيدة على مسيرة الشهر ونحوه وفي مثل مصر من الأندلس فلا اختلاف في أنه يجب تفليسه فيها وإن عرف ملاؤه، وبالله التوفيق.

.مسألة ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي:

وسئل: عن الرجل يدعي قبل الرجل حقا فيقول: احلف لي على أن ما ادعيت عليك به ليس بحق وابرأ، فيقول المدعى عليه: بل احلف أنت وخذ، فإذا هم المدعي أن يحلف بدا للمدعي عليه، وقال: لا أرضى بيمينك ولم أظن أنك تجترئ على اليمين وما أشبه ذلك، وهل ذلك عند السلطان وغيره سواء؟
قال ابن القاسم: ليس للمدعى عليه أن يرجع، ولكن يحلف المدعي ويحق حقه على ما أحب الآخر أو كره، قد رد عليه اليمين فليس له الرجوع فيها، وسواء كان ذلك عند السلطان أو غيره إذا شهد عليه بذلك أو أقر به.
قال الإمام القاضي: هذه مسألة متكررة في هذا السماع من كتاب الدعوى والصلح، ومثله في كتاب الديات من المدونة، ولا اختلاف أعلمه في أن ليس له أن يرجع إلى اليمين بعد أن يردها على المدعي.
واختلف هل له أن يرجع إليها بعد أن نكل عنها ما لم يردها على المدعي، فقال: ليس ذلك له، وهو ظاهر ما في الديات من المدونة، ورواية عيسى من ابن القاسم في المدنية.
وقيل: ذلك له، وهو ظاهر قول ابن نافع في المدنية، والقولان يحتملان، وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة يكون لها على زوجها الصداق فيحيط بماله إلى أجل قريب أو بعيد:

وسمعته يسأل عن المرأة يكون لها على زوجها الصداق يحيط بماله إلى أجل قريب أو بعيد، هل له أن يعتق أو يهب؟
قال ابن القاسم: لا، ليس ذلك له، وهو دين من الديون.
والدليل على ذلك أن المرأة أسوة الغرماء إذا فلس الزوج أو مات، تضرب مع الغرماء بصداقها، فلما نزلت هذه المنزلة لم يكن لزوجها أن يبطل دينها عليه.
قال محمد بن رشد: أما إذا دخل الرجل بزوجته فلا إشكال ولا اختلاف في أنه لا يجوز له أن يهب ولا أن يعتق إذا كان الصداق الذي عليه يحيط بماله إلا أن يدخل الاختلاف في ذلك من اختلافهم في وجوب إسقاط الزكاة به، وهو بعيد.
وأما إذا لم يدخل بزوجته فله أن يهب ويعتق إذا لم يحط بماله نصف صداقها؛ لأنه يملك إسقاط نصفه عن نفسه بالطلاق، وبالله التوفيق.

.مسألة أقر له بعشرة دنانير فأتاه بدنانير ينقص كل دينار ثلث أو ربع وقال هذا مالك:

ومن كتاب العتق:
وسئل: عن رجل أقر أن لرجل عليه عشرة دنانير نقدا، فأتاه بدنانير ينقص كل دينار ثلث أو ربع، وقال: هذا مالك علي، أيقبل قوله؟
قال: نعم، يقبل قوله ويحلف إذا كان إنما هو بإقراره، وإنما النقصان بمنزلة العدد، بمنزلة ما لو قال: ليس لك إلا خمسة أو ستة وادعى الآخر غير ذلك، فالقول قول المقر.
وقد بين أيضا له النقصان في أول.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها ولا لبس في شيء من معانيها، وبالله التوفيق.

.مسألة المبتوتة تكون في بيت بكراء فيفلس زوجها:

ومن كتاب باع شاة:
وسألته: عن المبتوتة تكون في بيت بكراء فيفلس زوجها، هل هي أولى من الغرماء؟
قال ابن القاسم: إن كان زوجها قد غرم الكراء فهي أولى به من الغرماء، وإن كان لم يؤد كانت أولى وكان عليها الكراء من مالها.
قال محمد بن رشد: قوله تكون في بيت بكراء، يريد كراء لوجيبة معلومة تستغرق العدة، بدليل قوله: وإن لم يؤد كانت أولى وكان عليها الكراء، إذ لو كان الكراء مشاهرة لكان أهل الدار أحق بدراهم.
وقوله: إن كان زوجها قد غرم الكراء فهي أولى به صحيح؛ لأنه إذا غرم الكراء صار السكنى حقا من حقوقه، فوجب أن تكون المرأة أحق به من الغرماء، كما كانت تكون أحق به من الورثة لو مات بعد أن بت طلاقها وهي ساكنة فيها، وكما كانت تكون أحق به منهم في عدة الوفاة.
وقوله: إن الكراء يكون عليها من مالها إن كان الزوج لم يؤده قبل أن يفلس صحيح، يريد: ولا تحاص به الغرماء إذ لم يجب لها قبل التفليس، وإنما يجب لها في المستقبل.
وقوله هذا يدل على قياس قول ابن القاسم في المدنية في الذي يطلق امرأته طلاقا بائنا ثم يموت: إن حق المرأة لا يسقط في السكنى إن كانت الدار للميت أو كانت بكراء فنقد الكراء، ويسقط إن لم تكن الدار للميت؛ لأن القياس يوجب أن تكون أحق من الغرماء في التفليس في الموضع الذي تكون فيه أحق من الورثة في الموت.
ويجب في هذه المسألة إذا فلس الزوج قبل أن ينقد الكراء أن يحاص به الغرماء على قياس قول ابن القاسم في كتاب طلاق السنة من المدونة: إن الكراء لا يسقط عن الزوج بالموت إذا طلق ثم مات؛ لأنه إذا لم يسقط بالموت وكان دينا من الديون يبدأ في الموت على الميراث وجب ألا يسقط في التفليس وأن يكون دينا من الديون يحاص به الغرماء.
ويجب في هذه المسألة ألا تكون المرأة أحق بالسكنى وإن كان الزوج قد نقد الكراء على قياس رواية ابن نافع عن مالك في كتاب طلاق السنة من أن السكن الواجب بالطلاق يسقط بالموت، كان المسكن للميت أو لم يكن.
ولو طلقها ولا مسكن له فدفع إليها خراج عدتها ثم فلس لتخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن الغرماء أولى بذلك، والثاني: أنها هي أولى به منهم إن كان يوم دفع ذلك إليها قائم الوجه.
وقد تكلمنا على وجه تخريج هذين القولين في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب الرضاع فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق.

.مسألة يشهد لامرأته في صحته بحق لها عليه ثم مكثت سنتين أو ثلاثا ثم فلس:

وسئل: عن الرجل يشهد لامرأته في صحته بحق لها عليه ثم مكثت سنتين أو ثلاثا ثم فلس أتحاص الغرماء؟ قال: نعم إذا جاءت ببينة.
قال ابن القاسم: إذا قامت عليه البينة على إقراره قبل التفليس حاصت الغرماء.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على المشهور في المذهب من أن من أقر بدين لوارث في صحته أن ذلك له في حياته وبعد وفاته، ويأتي فيها على قول ابن كنانة والمخزومي وابن أبي حازم ومحمد بن مسلمة أن ذلك لا يكون له إلا في حياته، ولا يكون له بعد وفاته إلا أن يكون لها أن تحاص بذلك الغرماء بعد التفليس، وبالله التوفيق.

.مسألة البينة على من ادعى واليمين على من أنكر:

من نوازل عيسى بن دينار وسئل عيسى: عن رجل كانت له دنانير أو دراهم أو شيء مما يكال أو يوزن مما إذا غاب عليه لم يعرفه بعينه على رجل وعلى أبيه، فدفع الأب ما عليه إلى ابنه ليدفعه إلى الغريم، فقال له: هذا ما لك على أبي، ثم ادعى الغريم بعد ذلك أنه إنما قبضه من الابن قضاء عنه وأنكر ما قال الابن.
قال: القول ما قال الغريم مع يمينه، إلا أن يأتي الابن ببينة تشهد له أنه قال له: هذا الحق على أبي.
قلت: فإن أتى بالبينة على أمر أبيه إياه أن يدفع ذلك عنه؟
قال: لا ينفعه ذلك حتى يأتي بالبينة على الدفع، كان على الأمر بينة أو لم تكن.
قال عيسى: إلا أن تقوم البينة أن ذلك الشيء الذي قضى شيء أبيه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الابن مدع فيما ذكر من أنه قضاه الحق الذي كان له على أبيه، وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وبالله التوفيق.

.مسألة يسلف في ضحايا ليوتى بها في الأضحى فلا يأتيه بها إلا بعد ذلك:

وسئل: عن الرجل يقول لغريمه وقد حل حقه: إن عجلت لي كذا وكذا من حقي فبقيته عنك موضوع إن عجلت ذلك لي نقدا الساعة أو إلى أجل يسميه، فعجل ذلك له نقدا أو إلى أجل إلا الدرهم والنصف أو أكثر من ذلك يعجز عنه، هل تكون له الوضيعة لازمة؟
فقال: ما أرى الوضيعة تلزمه إذا لم يعجل له جميع ذلك، وأرى الذي له الحق على شرطه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها أربعة أقوال:
أحدها: قوله في هذه الرواية وهو قول أصبغ في الواضحة، ومثله في آخر كتاب الصلح من المدونة: أن الوضيعة لا تلزمه إلا أن يعجل له جميع ما شرط إلى الأجل الذي سمى وهو أصح الأقوال.
والثاني: أن الوضيعة له لازمة بكل حال، ولا ينتفع صاحب الدين بشرطه، وهو قول ابن الماجشون، ونحوه ما في سماع أشهب من كتاب الضحايا في الذي يسلف في ضحايا ليوتى بها في الأضحى فلا يأتيه بها المسلم إليه إلا بعد ذلك أنه يلزمه أخذها ولا خيار له في تركها، وما في السلم من المدونة في السلم ينعقد على تعجيل رأس المال فيتأخر النقد إلى حلول الأجل بهروب من المسلم وهو عرض أن السلم لازم للمسلم إليه، ولا خيار له فيه.
والثالث: أن الوضيعة لا تلزمه إلا أن ينقص الشيء اليسير من شرطه، وهو على ما روى مطرف عن مالك في الذي يسلف في الضحايا على أن يؤتى بها في الأضحى فلا يؤتى بها في الأضحى أنها لا تلزمه إلا أن يأتيه بها بقرب الأضحى بعد اليوم واليومين.
والرابع: أنه يلزمه من الوضيعة بقدر ما عجل له من حقه، وهذا يأتي على ما في سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات، وبالله التوفيق.

.مسألة السلطان إذ باع مال الميت فقضى بعض غرمائه وبقيتهم حضور:

وسئل: عن الرجل يكون له على الرجل الذكر الحق فلا يقوم عليه حتى يموت الذي عليه الحق، فاقتسم ورثته ماله وهذا حاضر ينظر، ثم قام بعد بذكر الحق.
قال: فلا شيء له إلا أن يكون له عذر في تركه القيام أو يكون لهم سلطان يمتنعون به أو نحو هذا مما يعذر به فهو على حقه أبدا وإن طال زمانه إذا كان له عذر من بعض ما وصفنا؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم».
قال الإمام القاضي: هذا خلاف قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب: إن السلطان إذ باع مال الميت فقضى بعض غرمائه وبقيتهم حضور ثم قاموا عليهم أن لهم الدخول عليهم، ولا يضرهم علمهم بموت صاحبهم وأن ماله بيع لمن قام طالبا لحقه من غرمائه، وفرق بين ذلك وبين بيع مال المفلس يباع لبعض غرمائه وبقيتهم حضور لا يقومون، إن المفلس له ذمة تتبع، فيحمل سكوتهم على أنهم رضوا باتباع ذمته، والميت لا ذمة له فيكون القول قولهم إنهم إنما سكتوا غير راضين بترك حقوقهم، وقد كان شيخنا الفقيه أبو جعفر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: ليس بين المسألتين فرق بين، ولو قيل في هذا الفرق بالعكس لكان راتبه.
فتحصل في المسألة على ما كان يذهب إليه أربعة أقوال: ألا قيام في المسألتين، والقيام فيهما جميعا، والفرق بينهما على ما في نوازل سحنون، والفرق بينهما على عكسه حسبما ذكرناه عن الشيخ، وبالله التوفيق.

.مسألة السفيه يبيع قبل أن يولى عليه:

وسئل عيسى: عن السفيه يبيع قبل أن يولى عليه، هل يجوز بيعه؟
قال: أما ابن كنانة وابن نافع وجميع أصحاب مالك فيقولون بيعه قبل أن يولى عليه جائز إلا ابن القاسم وحده فإنه كان يقول بيعه وقضاؤه في ماله قبل أن يولي عليه سواء لا يجوز؛ لأنه لم يزل في ولاية منذ كان وإن لم يكن له ولي؛ لأن السلطان ولي من لا ولي له، فإذا كان في ولاية السلطان حتى ولى السلطان عليه وليا يتولاه ويقوم به، جعل عليه من أمره مثل الذي كان إليه منه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول فيها في رسم جاع من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه:

من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الأقضية وسئل عبد الله بن وهب: عن الرجل يفلس فيجد أحد الغرماء متاعه بعينه بيد المفلس فيريد أخذه ويريد الغريم دفعه إليه، فيقول الغرماء: لا ندفعه إليه بل نحبسه عليك لما نرجو فيه من الزيادة وندفع إلى رب السلعة حقه الذي له عليك، فيقول المفلس: إني أخاف أن يهلك قبل أن يباع علي فيبقى حق رب السلعة دينا علي ولم ننتفع بالذي نرجو من الزيادة فيه، فإن حبستموه علي فهو لكم بالثمن وأنا بريء من ضمانه، فيقولون: بل ضمانه منك وزيادته لك، ونحن أحق بحبسه عليك لما نرجو من زيادته لك فيما نقص من حقنا الذي عليك، فيدفعوا كذا إلى الغريم حقه ثم تهلك السلعة قبل أن تباع.
قال: أرى ضمانها من الغرماء يقاصهم بها المفلس فيما لهم عليه، فإن بيعت وسلمت كان فضلها للمفلس.
قال محمد بن رشد: الأصل في هذه المسألة قول النبي عليه السلام: «أيما رجل فلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» فاتفق مالك وأصحابه لهذا الحديث وما كان في معناه: على أن البائع أحق بسلعته التي باع في التفليس من الغرماء بجميع الثمن الذي باعها به، واختلفوا إن أراد الغرماء أن يأخذوها لفضل يرجونه فيها ويئول إليه ثمنها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ذلك لهم شاء المفلس أو أبى. فعلى هذا القول وهو قول ابن القاسم في سماع أصبغ وروايته عن مالك في المدونة وفي رسم طلق من سماع ابن القاسم من هذا الكتاب في بعض الروايات تكون مصيبة السلعة إن تلفت من المفلس والنقصان عليه إن بيعت بأقل من الثمن، كما تكون الزيادة له إن بيعت بأكثر من الثمن.
فإن كانوا أدوا الثمن إلى البائع من مال الغريم المفلس تحاصوا في ثمنها قل أو كثر، وإن كانوا أدوه من أموالهم فبيعت بأكثر من الثمن أخذ الثمن من أداه منهم أو جميعهم إن كانوا أدوه جميعا وتحاصوا في الفضل مع جملة مال الميت، وإن بيعت بأقل من الثمن أخذه من أداه منهم واتبع الغريم بالبقية فحاص به الغرماء. وإن تلفت اتبعوا الغريم بجميع الثمن الذي أدوه فيها وحاصوا به الغرماء؛ لأنه كان السلف منهم له.
والثاني: أن ذلك لا يكون لهم إلا برضا المفلس، فعلى هذا القول وهو قول ابن وهب في هذه الرواية إن رضي كانت المصيبة منه والنقصان عليه كما تكون الزيادة له حسبما مضى تفسيره في القول الأول، وإن كان لم يرض كان الربح والزيادة لهم حسبما مضى تفسيره في القول الأول، وكانت المصيبة والنقصان منهم فإن كانوا أدوا الثمن من أموالهم خسروه إن تلف، وخسروا النقصان إن بيعت بأقل من الثمن الذي أدوه فيها وإن كانوا أدوه من مال المفلس فتلفت السلعة حوسبوا بجميع الثمن فيما لهم عليه من الديون، فكان ذلك قصاصا منها، وتحاصوا في بقية مال المفلس بما بقي من ديونهم، وهو معنى قوله في هذه الرواية: أرى ضمانها من الغرماء يقاصهم بها المفلس فيما لهم عليه. وإن كانوا أدوه من مال المفلس فبيعت السلعة بنقصان حوسبوا أيضا بما انتقص من ثمنها فيما لهم عليه من الديون فكان ذلك قصاصا منها.
والقول الثالث: أن ذلك لا يكون لهم إلا أن يزيدوا زيادة يحطونها عن المشتري المفلس من دينهم، وتكون السلعة لهم نماؤها وعليهم بوارها، وهو قول أشهب، وبالله التوفيق.

.مسألة إذا تقاضى الآخرين ادعى كل واحد منهم أنه هو الذي قضاه العشرة:

ومن كتاب المكاتب:
وسألته: عن الرجل تكون له ثلاثون دينارا على ثلاثة نفر على كل رجل عشرة، فيقتضي من أحدهم العشرة التي قبله فإذا تقاضى الآخرين ادعى كل واحد منهم أنه هو الذي قضاه العشرة دنانير فيشك المقتضي.
قال: إن لم ينص الذي اقتضاها منه باسمه حلف الغرماء كلهم وبرءوا من الثلاثين دينارا.
قال الإمام القاضي: وهذا كما قال؛ لأنه قد أقر أنه قبض العشرة من أحدهم، فالقول قول كل واحد منهم مع يمينه أنه هو الذي قبض منه، ولا اختلاف في هذا عندي إذا جاءوا مجتمعين؛ لأنه يحقق الدعوى على اثنين منهم أنهما كاذبان، فلابد من يمين كل واحد منهم، ولو جاءوا مفترقين لجرى له الأمر في إيجاب اليمين على كل واحد منهم على الاختلاف في لحوق يمين التهمة.
ولو جاءوا مجتمعين فنكلوا عن اليمين لوجب على أصولهم أن يحلف هو ما يعلم من دفعها إليه منهم، فلو حلف كانت العشرة بين جميعهم فأدى كل واحد منهم سبعة إلا ثلثا، وإن نكل عن اليمين لم يكن له شيء.
وإن حلف واحد منهم ونكل اثنان برئ من حلف ورجعت اليمين على المقتضي، فإن حلف أدى كل واحد من الناكلين سبعة إلا ثلثا، وإن نكل لم يكن له شيء.
وإن حلف اثنان منهم ونكل واحد برئ الحالفان ورجعت اليمين على المقتضي، فإن حلف أدى الناكل سبعة إلا ثلثا، وإن نكل لم يكن له شيء.
ولو جاءوا مفترقين فنكل كل واحد منهم عن اليمين على القول بإيجابها عليه لغرم العشرة بعد يمين المقتضي على الاختلاف في رد يمين التهمة، ولو جاءوا مجتمعين فحلفوا له ثم تذكر ممن قبض لم ينفعه ذلك ولا كان له طلب على أحد منهم؛ لأنه حكم قد نفذ.
ولو وجد بينة لم يعلم بها بالذي قبض منه كان له القيام بها، فإن كان علم بها وحلفهم كان الحكم على قولين: أحدهما: أنه لا قيام له وهو قول ابن القاسم، والثاني: أن له القيام وهو قول مالك في رواية أشهب من هذا الكتاب.